الصلاة في المواصلات

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ... هل يجوز ركوب المواصلات قبل وقت الفرض بساعة او اكثر مع غلبة الظن بخروج الوقت قبل الوصول ويصلي الفرض في السيارة مع عدم التمكن من النزول للصلاة مع العلم انه اذا انتظر سيضطر الي انتظار الصلاة ساعة او اكثر

الإجابة:

 

فالمُحَافَظَةَ عَلَى وقتِ الصَّلَاةِ من أكبرِ شُرُوطِهَا التي لا يَجُوزُ الإخلالُ بها، فقد أجمع أهل العلم عَلَى أن الحِفَاظِ عَلَى الوَقْتِ من أعظم شروط الصلاة، وأنه أمكن شُرُوطها، أنه لا يَجُوزُ إخراجُ الصَلَاة عن وقتها بحال رجاء تحصيل شرط أو ركن.

فإن كان الأخ السائل لا يشق عليه الانتظار وعدم ركوب وسيلة المواصلات حتى يؤدي الصلاة في وقتها= فيجب عليه ذلك، وأما إن كان يشق عليه الانتظار هذه المدة فيحنئذ يصلى في السيارة بحسب حاله؛ قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].

ومن استقرأ الشريعة الإسلامية في مواردها ومصادرها وجدها مبنيَّة في أصولها وفروعها على التَّيسير (التخفيف)، ورفع الحرج (الضيق) والمشقَّة عنِ المكلَّفين؛ فاليُسْر ورفع الحرج صِفتان أساسيَّتان في دين الإسلام، ومقصدٌ أساسي من مقاصد الشريعة، قال تعالَى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، وأخرَجَهُ أحمدُ وسَنَدُه حَسَنٌ عن أبي أمامة قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((بُعِثْتُ بِالحنيفيَّة السَّمحة))، أيِ السَّهلة اللَّيّنة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ هذا الدّينَ يُسرٌ ولن يُشادَّ الدّينَ أحَدٌ إلا غلبه))؛ أخرجه البخاريُّ..

ومِنَ القواعدِ الفقهيَّة المشهورة: (المشقَّة تَجْلِبُ التَّيسير)، (إنَّ الأمر إذا ضاق اتسع)..

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (26 / 232):

"فَإِنَّ الْأُصُولَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَتَى دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْإِخْلَالِ بِوَقْتِ الْعِبَادَةِ وَالْإِخْلَالِ بِبَعْضِ شُرُوطِهَا، وَأَرْكَانِهَا، كَانَ الْإِخْلَالُ بِذَلِكَ أَوْلَى؛ كَالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِطَهَارَةٍ، وَسِتَارَةٍ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، مُجْتَنِبَ النَّجَاسَةِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ، فَإِنَّهُ يَفْعَلُهَا فِي الْوَقْتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُمْكِنِ، وَلَا يَفْعَلُهَا قَبْلَهُ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ - أَيْضًا - لَا يُؤَخِّرُ الْعِبَادَةَ عَنْ الْوَقْتِ، بَلْ يَفْعَلُهَا فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ لِلْمَعْذُورِ فِي الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتَانِ: وَقْتٌ مُخْتَصٌّ لِأَهْلِ الرَّفَاهِيَةِ، وَوَقْتٌ مُشْتَرَكٌ لِأَهْلِ الْأَعْذَارِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ صَلَّاهُمَا فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ، لَمْ يُفَوِّتْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا، وَلَا قَدَّمَهَا عَلَى الْوَقْتِ الْمُجْزِئِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.